قرّرت حضارة الإسلام أن عالم الحيوان، سواءً من يمشي على الأرض، أو يدب عليها، أو يزحف على بطنه، أو يطير بجناحيه، أو يسبح في الماء، طوائف مخلوقة، مثل عالم الإنسان، خلقها الله، وقدّر أحوالها وأرزاقها وآجالها، وأن جميع المخلوقين بما فيهم الحيوان يحشرون يوم القيامة، فيقضي بينهم ربهم، وينصف بعضهم من بعض .
قال تعالى: (وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)
ومن هنا جاءت الرحمة بالحيوان والرفق به باباً لدخول الجنّة، أما القسوة عليه وتعذيبه،
فهي باب لدخول النار، ومن أجل ذلك حرّم الإسلام قتل الحيوان جوعاً أو عطشاً، وحرّم
المكث على ظهره طويلاً وهوواقف، وحرّم إرهاقه بالأثقال والأعمال الشاقّة، وحرّمت الشريعة
التلهّي بقتل الحيوان، كالصيد للتسلية لا للمنفعة، واتخاذه هدفاً للتعليم على الإصابة، ونهى الإسلام
عن كي الحيوانات بالنار في وجوهها للوسم، أو تحريشها ببعضها بقصد اللهو،
وأنكر العبث بأعشاش الطيور، وحرق قرى النمل
وبذلك فقد سبق الإسلام جمعيات الرفق بالحيوان بأربعة عشر قرنا، فجعل
الإحسان إلى الحيوانات من شعب الإيمان، وإيذاءها والقسوة عليها من
موجبات النار.
ويحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن رجل وجد كلبا يلهث من العطش،
فنزل بئرا فملأ خفه منها ماء فسقى الكلب حتى روي.. قال الرسول صلى الله
عليه وسلم: فشكر الله له فغفر له. فقال الصحابة:
أإن لنا في البهائم لأجرا يا رسول الله؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر".
وإلى جوار هذه الصورة المضيئة التي توجب مغفرة الله ورضوانه يرسم النبي
صورة أخرى توجب مقت الله وعذابه فيقول: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها،
فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وبلغ من احترام حيوانية الحيوان أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا
موسوم الوجه (مكويا في وجهه) فأنكر ذلك وقال: "والله لا أسمه إلا في أقصى
شيء من الوجه" ، وفي حديث آخر أنه مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال:
"أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها".
وقد رأى ابن عمر أناسا اتخذوا من دجاجة غرضا يتعلمون عليه الرمي
والإصابة بالسهام فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ
شيئا فيه الروح غرضا". وقال عبد الله بن عباس: "نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم". والتحريش بينها: هو إغراء
بعضها ببعض لتتطاحن وتتصارع إلى حد الموت أومقاربته وكما نهى
صلى الله عليه وسلم عن " إخصاء البهائم نهيا شديدا" والإخصاء: سل الخصية